القلب الذهبي...بقلم الاستاذ/ مصطفى رزق


القلب الذهبي
بقلم الاستاذ/ مصطفى رزق





لطالما تساءلت ما هو المعيار الذى يحكم به الأشخاص على امرأة ما بأنها جميلة, أو ملامحها مقبولة, أو حتى قبيحة؟؟...ولماذا عندما نقول امرأة جميلة يتكون فى أذهاننا على الفور صورة امرأة شقراء ذي عيون خضراء وبشرة بيضاء؟!, أو أخرى صهباء ذات عيون زرقاء؟!!
لماذا يقتصر مفهومنا عن الجمال على لون العيون أو البشرة, أو طول الشعر أو الساقين, أو تفصيلات أخرى مثل خانة فوق الشفتين, أو نبذة فى الذقن أو الخدين؟!, ولماذا نبحث دائما عن هذه الصفات ونتطلع إليها, بينما نقرّ ونقسم بأغلظ الأيمان أننا لا نهتم فقط إلا بالجوهر, ولا يتوقف قرارنا فى الارتباط على هذه الأمور بدرجة كبيرة؛ فهل نخدع أنفسنا حقا, أم أننا لم نفهم بعد ذلك المعيار الذى على أساسه نتخذ قرارنا...معيار الجمال.

قد يثير حفيظتك الكم الهائل من الإعلانات التى تُعرض يوميا فى التلفاز لمنتجات لا فائدة منها مطلقا, وتتساءل فى دهشة هل هناك بشر يستخدمونها بالفعل؟!, بينما فى ظل ذلك الزخم الرهيب من الإعلانات يوجد شىء واحد مشترك بينها والذى يجب أن يجذب انتباهك حقا...الأداة.
لقد تم استخدام المرأة كأداة فى عرض السلع حتى أصبحت سلعة هى الأخرى؛ فما الرابط بين السيارة المعروضة والفتاة التى تقف بجانبها؟!, وما الرابط بين المأكولات, والمشروبات والقرى السياحية, وخدمات الإنترنت والتليفون, وحتى الوظائف الخالية, وغيرها من الأشياء التى لا يقدمها للمشاهد إلا فتاة شقراء ذي بشرة بيضاء وعيون ملونة؟!!
ولأنه قد تم زرع هذه الأفكار فى رؤوسنا, لتنمو بصورة طبيعية جدا وتتشكل معها ثقافتنا ونظرتنا للمرأة بعد ذلك؛ فلا عجب إذا فى أن مفهومنا عن الجمال أصبح مشوّها.

على كل حال يجب أن أجارى الفكرة الآن؛ فلا يمكننى مهما فعلت أن أصحح أو أنتقد أفكار راسخة فى المجتمع شأنها شأن عادات وتقاليد أخرى خاطئة, ولن أحاول حتى البحث عن الأسباب أو أن أقترح حلول؛ فما يهم الآن هو تسليط الضوء على تلك الفتاة التى لم تمتلك القدر الكافى من الجمال بمعيار المجتمع الذى تعيش فيه, والتى ينظر لها الكثيرون على أنها الخيار الثانى, أو أنها مجرد شخصية مساعدة لتكتمل بها الأحداث فى قصصهم التى يعيشونها, وهم معذورون حقا فى نظرتهم تلك؛ فهكذا تم تصويرها لهم.
ولأن السينما والتلفزيون يشكلان جانبا كبيرا ومؤثرا فى ثقافة الفرد؛ فيمكنك أن تفهم الآن السبب الذى يجعل الأضواء مسلطة دائما على بطلة الفيلم أو المسلسل, والذى يجب أن تظهر صديقتها أو تلك التى تقوم بالدور المساعد فى صورة أقل جمالا منها...لماذا؟!!
قد تعتقد لوهلة أن البطلة يجب أن تكون الأجمل لأنها تظهر فى معظم مشاهد الفيلم, أو لأن الفيلم نفسه قائم على شخصيتها, ولكن حتى هذا لا يكفى لأن يفسر لماذا يجب أن تظهر الشخصية المساعدة فى صورة أقل جمالا, وبشخصية أضعف, وغير مرغوبة كالعادة.

أنا لا يمكننى قول هذه الفتاة جميلة, وهذه ليست كذلك؛ فأنا أرى دائما كل النساء جميلات...كلهم بلا استثناء, وليس ذلك لأننى لا أملك المعيار فى الحكم عليهم, ولكن لأن كل شيء نسبى؛ فمن تراها أجمل امرأة فى الكون قد لا تكون كذلك بالنسبة لشخص آخر, ومن ترى ملامحها غير مقبولة قد يوجد الكثيرون ممن يتلهفون لنظرة واحدة منها, وبالتالى فلا يوجد فتاة جميلة وأخرى قبيحة فهذا لا يتوقف على نظرتك أنت فقط؛ فللكون مرايا عديدة, ولست وحدك مرآة الكون.
وبالعودة مرة أخرى إلى صاحبتنا؛ فيمكننا أن نقول الآن أنها جميلة, وقد تكون أجمل امرأة, أو يوجد شخص واحد على الأقل يمكنه أن يقرّ بذلك...فلماذا تقبل هي هذا الدور الثانوى؟!!

" أنا لن أتزوج فتاة صاحبتها يوما, أو كانت على علاقة بأحد غيرى...برأيك, كم شاب قالها؟؟ "

النهايات التراديجية عادة ما تكون هى السائدة؛ فمن بين مائة قصة حب كم عدد تلك التى يكتب لها النجاح وتنتهى بزواج؟!...ربما لو نظرنا فى فلسفة الزواج عند الشباب لفهمنا السبب؛ فالمبدأ الذى يؤمن به الشاب هو أنه يمكنه مصاحبة تلك الفتاة التى ترغب فقط فى أن تقضى وقتها وتتقمص شخصية السيندريلا, ويمكنه أن يحب تلك الفتاة التى تصلح أن تكون زوجة له؛ وذلك بعد أن تطورت العلاقة بينهما ليدخل فيها جانب جسدى وآخر روحى, بعد أن أن تعلق كلا منهما بالآخر كنتيجة طبيعية لاستمرار علاقتهما فترة أطول, بينما لا يتزوج مطلقا إلا تلك التى تصلح أن تكون أمّا؛ فهى الوحيدة التى تجمع بين صاحبة وزوجة له, بالإضافة إلى قدرتها على الحفاظ عليه وعلى بيته وأولاده.
والعجيب فى الأمر أنه فى واقعنا ومجتمعنا نجد أن تلك الفتاة التى تصلح أن تكون أمّا هى نفسها تلك الفتاة التى قد قبلت بالدور الثانوى ولم تنخرط فى أى أدوار رئيسية أخرى فى قصص حب لا يمكنها أن تكلل فى النهاية بزواج؛ فهى قد حافظت على قلبها واستودعته أمانة عندها تردها فقط لمن طلبها زوجة له وليس لكل عابث يرغب فقط فى أن يعيش قصة حب خيالية.
هى نفسها تلك الفتاة التى عادة لا تكون على قدر كبير من الجمال الظاهرى, والتى لم تجذب انتباه أو تلفت نظر أى شاب إليها, بينما استطاعت صديقتها الفاتنة أن تأسر قلوب العديد؛ فهى بالفعل الخيار الثانى عند الشاب كصديقة أو حبيبة, ولكنها الخيار الأول كزوجة له؛ فكم من فتاة جميلة قد تزوجت من صاحبها أو من أحبها؟؟

تلك الفتاة التى قد يشعر قلبها يوما بالغيرة من صديقتها التى تعيش فى قصة حب وهى ليست كذلك, وقد تشعر لوهلة أنها منبوذة وأنها غير مرغوب فيها لأنها ليست جميلة بقدر صاحبتها, وقد يعصف بكيانها وساوس وأفكار من هذا النوع, ولكن يثبتها إيمانها القوى بقلبها الذى حافظت عليه ولم ترهقه يوما؛ فصديقتها الفاتنة لا تتميز عنها بأى جمال, بينما هى تتميز عنها بأنها تمتلك قلبا طيبا لم يعرف الكراهية, ولم يشعر بالحقد يوما...قلبا لا يتسع إلا لشخص واحد فقط لتمنحه كل وفاءها وإخلاصها؛ فيرى فيها زوجته وحبيبته وكل امرأة أخرى تمنى أن تكون له...قلبا لم يضطر ليخوض فى تجارب فاشلة حتى يعيش شعور زائف بالحب, أو قصص وهمية تختزلها فى النهاية ذكرى مؤلمة.
تلك الفتاة التى ربما لم تمتلك القدر الكافى من الجمال, ولكنها امتلكت ما هو أكبر من ذلك...امتلكت الجمال الحقيقى الذى يجعل أى رجل يدرك حقيقتها جيدا يكون على استعداد لفعل أى شيء لتكون له...امتلكت ما لم تمتلكه تلك الفاتنة ذات الجمال الساحر...امتلكت قلبا ذهبيا.
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا
abuiyad