دوائر ...... بقلم / مصطفى رزق

(دوائر)

جاء رجل إلى أحد الحكماء ليسأله عن حال امرأة يرغب فى الزواج منها؛ فقال له: لا أتمناها لك. فقال له الرجل: ولم؟!, فقال له: أعيب عليها فى خُلقها – أى أنه لا يتمناها زوجة له, فيقول له ناصحا بذلك؛ لما رآه عليها من سوء الخُلق -, وكان من المفترض أن يكتفى الرجل بذلك, ولكنه كان فضوليا فسأله: وكيف ذلك؟, فقال له: أنا الآن لا أتمناك أنت لها.
ألح عليه الرجل فى السؤال فزهد فيه وفى خُلقه؛ فهو قد أخبره أنها ربما تكون سيئة الخلق؛ فما الذى يستدعيه للسؤال عنها مرة أخرى؟!, بل وبات فى نظره أنه أقل منها, ولا يتمناها هى له!
هل كل ذلك لمجرد أنه استفسر عن سبب إجابته؟!!...قد يبدو سؤاله تلقائيا ومنطقيا للغاية؛ فلماذا انتهى به الأمر بأن أصبح منبوذا وسيئ الخُلق أكثر منها؟!!
الأمر ببساطة يتلخص فى أنه اذا كان المسؤل صادقا, فكان على الرجل أن يصدقه بأنها سيئة الخلق فعلا ويصرف نظره عنها, وإذا كان كاذبا فما كان عليه سؤاله مرة أخرى وهو يعلم هذا؛ وإلا ففضوله قد منعه من حفظ ماء وجهه بعد أن أعاد سؤاله عن امرأة تبين له سوء خلقها, أو كما يحدث عندما نستنكر إلحاح رجل فى طلب امرأة تبين له سوء خلقها...إلا أن يكون كذلك أيضا.

هذا ما سيحدث لك عندما تحاول طلب ود أشخاص ليسوا بمكانتك, أو أشخاص قد استغنوا عنك, ولم يعد لك فى مجلسهم ذكرا؛ فلا تعتقد أنك قد تفعل ذلك وفاءا وإخلاصا, ولا تعتقد أنك بهذا قد تنال إعجابهم بعد أن ضحيت بالكثير من أجلهم؛ فليست هذه صورتك عندهم؛ فأنت بالنسبة لهم مجرد شخص لم يحفظ ماء وجهه, أو أنه قد باع دمه ولم يعد يشعر بأنه لم يعد مرغوب فيه بعد الآن...لم يعد كذلك أبدا.
نسعى عادة لطلب ما لا يمكننا الحصول عليه, ونكابر ونعاند كثيرا ونحن نعلم أننا لن نستطيع ذلك, ونغضب فى النهاية عندما نخسره...أو إن شئت الدقة, نخسر شيئا آخر بالمقابل.
ما الذى يجعلنا نهتم ونتعلق بأشخاص لا يهتمون بنا, ولا يرغبون فى ذلك حتى؟!...لماذا لا نفعل ذلك مع أشخاص يتطلعون فقط إلى نصف اهتمامنا؟!...لماذا لا نفعل قبل فوات الأوان؟!!

نحاول إظهار الاهتمام بأشخاص لم يعد لنا مكان فى ذاكرتهم, ونظن أننا بذلك قد نرقق قلبهم, أو نستدر عطفهم؛ فيتذكروننا بخير مثلما نفعل معهم, لكن العجيب أنهم يسخرون منا على احتقارنا لأنفسنا لهذه الدرجة التى تجعلنا نتذلل لهم, ولا يشفقون علينا حقا, بينما الأعجب هو أنهم يفعلون نفس الأمر ويتقمصون شخصيتنا مع أناس آخرون؛ فنحن وإن كنا نتودد إليهم ولا يلتفتون إلينا, فهم يفعلون ذلك مع أشخاص آخرون ويتوددون إليهم ولا يلتفتون إليهم أيضا؛ ففى الوقت الذى نتجاهل فيه إهتمام أشخاص آخرون بنا, ونطلب ود من هجرونا, هم أنفسهم يفعلون ذلك أيضا فيتجاهلون اهتمامنا بهم, ويطلبون ود أشخاص آخرون لا يلتفتون إليهم, وقد تجد هؤلاء الأشخاص يتجاهلون اهتمامهم بهم, ويطلبون بدورهم ود أشخاص آخرون لا يهتمون بهم أيضا ويتوددون إلى أشخاص آخرون..., وهكذا تجد أن الأمر يختزله فى النهاية دوائر ندور فيها بلا نهاية, ولا يدرى أينا أين موضع قدمه بالنسبة للحقيقة, وبما يجب أن يفعله, لنخرج فى النهاية خاسرون...كلنا.
دوائر
بقلم / مصطفى رزق


جاء رجل إلى أحد الحكماء ليسأله عن حال امرأة يرغب فى الزواج منها؛ فقال له: لا أتمناها لك. فقال له الرجل: ولم؟!, فقال له: أعيب عليها فى خُلقها – أى أنه لا يتمناها زوجة له, فيقول له ناصحا بذلك؛ لما رآه عليها من سوء الخُلق -, وكان من المفترض أن يكتفى الرجل بذلك, ولكنه كان فضوليا فسأله: وكيف ذلك؟, فقال له: أنا الآن لا أتمناك أنت لها.
ألح عليه الرجل فى السؤال فزهد فيه وفى خُلقه؛ فهو قد أخبره أنها ربما تكون سيئة الخلق؛ فما الذى يستدعيه للسؤال عنها مرة أخرى؟!, بل وبات فى نظره أنه أقل منها, ولا يتمناها هى له!
هل كل ذلك لمجرد أنه استفسر عن سبب إجابته؟!!...قد يبدو سؤاله تلقائيا ومنطقيا للغاية؛ فلماذا انتهى به الأمر بأن أصبح منبوذا وسيئ الخُلق أكثر منها؟!!...

الأمر ببساطة يتلخص فى أنه اذا كان المسؤل صادقا, فكان على الرجل أن يصدقه بأنها سيئة الخلق فعلا ويصرف نظره عنها, وإذا كان كاذبا فما كان عليه سؤاله مرة أخرى وهو يعلم هذا؛ وإلا ففضوله قد منعه من حفظ ماء وجهه بعد أن أعاد سؤاله عن امرأة تبين له سوء خلقها, أو كما يحدث عندما نستنكر إلحاح رجل فى طلب امرأة تبين له سوء خلقها...إلا أن يكون كذلك أيضا.

هذا ما سيحدث لك عندما تحاول طلب ود أشخاص ليسوا بمكانتك, أو أشخاص قد استغنوا عنك, ولم يعد لك فى مجلسهم ذكرا؛ فلا تعتقد أنك قد تفعل ذلك وفاءا وإخلاصا, ولا تعتقد أنك بهذا قد تنال إعجابهم بعد أن ضحيت بالكثير من أجلهم؛ فليست هذه صورتك عندهم؛ فأنت بالنسبة لهم مجرد شخص لم يحفظ ماء وجهه, أو أنه قد باع دمه ولم يعد يشعر بأنه لم يعد مرغوب فيه بعد الآن...لم يعد كذلك أبدا.
نسعى عادة لطلب ما لا يمكننا الحصول عليه, ونكابر ونعاند كثيرا ونحن نعلم أننا لن نستطيع ذلك, ونغضب فى النهاية عندما نخسره...أو إن شئت الدقة, نخسر شيئا آخر بالمقابل.
ما الذى يجعلنا نهتم ونتعلق بأشخاص لا يهتمون بنا, ولا يرغبون فى ذلك حتى؟!...لماذا لا نفعل ذلك مع أشخاص يتطلعون فقط إلى نصف اهتمامنا؟!...لماذا لا نفعل قبل فوات الأوان؟!!

نحاول إظهار الاهتمام بأشخاص لم يعد لنا مكان فى ذاكرتهم, ونظن أننا بذلك قد نرقق قلبهم, أو نستدر عطفهم؛ فيتذكروننا بخير مثلما نفعل معهم, لكن العجيب أنهم يسخرون منا على احتقارنا لأنفسنا لهذه الدرجة التى تجعلنا نتذلل لهم, ولا يشفقون علينا حقا, بينما الأعجب هو أنهم يفعلون نفس الأمر ويتقمصون شخصيتنا مع أناس آخرون؛ فنحن وإن كنا نتودد إليهم ولا يلتفتون إلينا, فهم يفعلون ذلك مع أشخاص آخرون ويتوددون إليهم ولا يلتفتون إليهم أيضا؛ ففى الوقت الذى نتجاهل فيه إهتمام أشخاص آخرون بنا, ونطلب ود من هجرونا, هم أنفسهم يفعلون ذلك أيضا فيتجاهلون اهتمامنا بهم, ويطلبون ود أشخاص آخرون لا يلتفتون إليهم, وقد تجد هؤلاء الأشخاص يتجاهلون اهتمامهم بهم, ويطلبون بدورهم ود أشخاص آخرون لا يهتمون بهم أيضا ويتوددون إلى أشخاص آخرون..., وهكذا تجد أن الأمر يختزله فى النهاية دوائر ندور فيها بلا نهاية, ولا يدرى أينا أين موضع قدمه بالنسبة للحقيقة, وبما يجب أن يفعله, لنخرج فى النهاية خاسرون...كلنا.

تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا
abuiyad