
الصدام
بقلم/ مصطفى رزق
مابين نظرية (الفوضى) و نظرية (تأثير الفراشة), يمكننا أن نستنتج ذلك المزيج العجيب من الصدامات التى نعيشها كل يوم فى حياتنا القصيرة, أو فى مجتمعاتنا الصغيرة.
فالفكرة تدور حول مدى تأثير الأشياء البسيطة فى حياتك, وتصوّر كيف أن هؤلاء الأشخاص الذين تصطدم بهم يوميا فى طريقك للعمل أو المنزل لهم تأثير كبير على حياتك وربما كانوا هم جزء من حياتك, بالرغم من أنك لا تربطك بهم أى صلة, ولا تعرف عنهم غير ملامح باهتة.
نظرية (الفوضى), فى مجمل نصها:
" كل ما يحدث حولك وما يبدو فوضوياً ولا يضبطه شيء في الظاهر ، هو في الحقيقة أمر منظم و منضبط تماماً و تتحكم به قوانين طبيعية في غاية الصرامة والدقّة, وأن لا وجود لأحداث أو أشياء عشوائية خبط عمياء من وجهة نظر القوانين الطبيعية؛ هذا يعني أن الفيزياء مثلاً تحكم بقوانينها الدقيقة الصارمة المحكمة أموراً مثل كيفية سقوط حجر النرد على رقعة لعب طاولة زهرة، أي أن ليس هناك في العلم شيئ اسمه صدفة بحته, وبالتالى فالأمور تبدو لك عشوائية فقط لأنك لا تدرك القوانين التى تحركها. "
فعلى سبيل المثال: الفرقة الأولى فى احدى كليات الهندسة بها 1000 طالب, جمعتهم ظروف متشابهة, ولكن كل ما ستراه هو مجرد حصر لعينة عشوائية من الطلبة فقط بسبب أن تقديراتهم أو درجاتهم التى حصلوا عليها متقاربة, ولكن الأمر أكبر من ذلك بكثير؛ فالصدفة تتعدى أن يجتمع هؤلاء الأشخاص بعينهم فى نفس الزمان والمكان والسنة الدراسية؛ فهذا طالب حصل بالكاد على الحد الأدنى للتنسيق, وهذا آخر دفعته الظروف قهرا لدخول هذه الكلية, وهذا آخر التحق بها نتيجة خطأ فى التنسيق, وهذا جاء من قرية صغيرة تبعد مئات الأميال, وهذا لم يكلفه الأمر أكثر من بضع خطوات, وهذا آخر...وهذا آخر....وما إلى ذلك من النماذج الأخرى؛ فتجد مزيج عجيب لا يمكن أبدا استنتاج قانون واحد يجمعهم بهذه الطريقة, ولكن فى حقيقة الأمر لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تكون تلك العينة عشوائية, وهناك قانون بالفعل يحكم هذه الصدفة؛ غير أن الرابط الذى يجمعهم خفى, ولا يمكن إبصاره.
أما عن نظرية تأثير الفراشة:
" تقول النظرية أن رفرفة جناحي فراشة في الصين قد يتسبب عنه فيضانات وأعاصير ورياح هادرة في أبعد الأماكن في أمريكا !! "
هذا لا يبدوا عسيرا, فأنا يمكننى وضع مثال صغير يبين كيف أن رفرفة جناح فراشة يمكن أن تؤدى إلى حرب نووية فى العالم!, وإليك ذلك:
" وقفت فراشة على زهرة لتمتص رحيقها, بينما كان هناك ضفدع يراقبها, وفى نفس الوقت كان هناك ثعبان جائع يراقب حركة الضفدع للإنقضاض عليه.
لاحظت الفراشة حركة الضفدع فطارت بعيدا, فقام بالقفز مبتعدا عن الثعبان الذى يتربص له, الذى قام بدوره للزحف بحثا عن طعام فى مكان آخر, وبينما شخص ما يسير بجانبه ولم يلاحظه, قام الثعبان بلدغه فقتله على الفور "
هنا نتسائل, ما الذى شاهدناه من كل هذا؟, فقط كل ما سنراه هو شخص ميت نتيجة لدغة ثعبان, ولكن فى الحقيقة هو مات لأن فراشة رفرفت بجناحيها؛ فلو لم تلاحظ الفراشة حركة الضفدع ما كانت لتطير بعيدا مما يزيد من فرصته لأكلها, فما كان ليقفز مبتعدا للبحث عن طعام بعد أن حصل عليه بالفعل, وهنا يأتى دور الثعبان فى الحصول على طعامه والإنقضاض على الضفدع, وعندها لن يكون فى حاجة للبحث عن طعام, فما كان ليتحرك بعيدا حيث يصادف شخص ما يمر, فيعتبره تهديدا له فيقوم بلدغه وقتله.
فعندما تحركت الفراشة, تحرك الضفدع وتبعه الثعبان وفى النهاية مات شخص, فلو لم تتحرك الفراشة لأكلها الضفدع ولم يكن ليتحرك من مكانه, ليأكله الثعبان ولم يكن ليتحرك من مكانه, وبالتالى ينجو الرجل.
" رفرفة جناح فراشة = موت شخص "
معادلة بسيطة غير أن إحتمال حدوثها يخضع فقط لنظرية (الفوضى)؛ فما كان لأى عاقل أن يصدق بأن هناك رابط بين موت شخص ورفرفة جناح فراشة؛ فقط لأنه لا يستطيع أن يدرك القوانين التى تحكم مثل هذا النظام.
واذا ما افترضنا مثلا أن هذا الشخص هو ابن رئيس روسيا, أثناء قيامه بسفارى فى غابات أمريكا, لافترضنا أن دولته ستعتقد أنه قتل عمدا, وبالتالى يحدث تطورات بين البلدين قد تؤدى فى النهاية لحرب نووية.
أعلم أن هذه صدفة لا يستطيع أى عقل أن يصدقها, ولكنى أدعوك فقط لتخيل ذلك التأثير الكبير الذى تحدثه رفرفة جناح فراشة...كم هو رهيب!!!
يمكنك أن تُسقط هذه الافتراضات والأمثلة على حياتنا الإجتماعية, ولتتخيل أن شخص ما لا تعرفه ابتسم فى وجهك فأدى ذلك إلى حصولك على ترقية!!
فبعد أن منحك ذلك الغريب تفاؤلا بابتسامته, مما جعلك تقضى يومك فى العمل نشيطا وتعمل بأقصى طاقاتك وتركيزك, الأمر الذى استدعى مدير الشركة أن يمنحك ترقية فورية, كمكافأة لك على مجهودك الكبير ونشاطك فى ذلك اليوم, والذى كان نتيجته تحقيق أعلى دخل يومى فى الشركة, وارتفاع أسهمها بشكل ملحوظ.
" ابتسامة = ترقية "
أو مثال آخر لشخص تحدث مع زميله فى المحاضرة؛ فأدى ذلك لإنتحار أشخاص وضياع مستقبل آخرون !!!
ففى الوقت الذى يمر به الأستاذ الجامعى بمرحلة مزاجية سيئة نتيجة خلافاته مع زوجته التى لم تستمع لرأيه فى وجوب دفع أقساط تأمين السيارة أولا قبل شراء العقد الماسى لها, مما تسبب تعنتها وهوسها بالمظاهر فى ضياع مبلغ التأمين الذى لم يتم سداد أقساطه, بعد تدمير سيارته اثر ارتطام شاحنة بها أثناء تركها للحظات خارج الموقف الخاص بها, وهذا أدى إلى انفجار بركان من الغضب فى داخله بعد أن لمح أحد الطلبة يهمس فى أذن زميله أثناء حديثه فى المحاضرة, وتخيل كيف أنه لا يستمع إليه أحد رغم مكانته الإجتماعية؛ فقام على الفور بتحويله للتحقيق وفصله, ووضع امتحان غاية فى الصعوبة كنوع من العقاب الجماعى, مما أدى إلى انتحار ذلك الطالب الذى فشل فى تحقيق حلمه, وخيّب أمل والديه اللذان كافحا وشقيا حتى يصل إلى الجامعة, فى نفس الوقت الذى رسب فيه كثيرون ممن توقفت درجات نجاحهم على درجة واحدة أو درجتين, بسبب صعوبة الإمتحان, وضياع فرصة الحصول على فرص عمل مميزة من آخرون, بسبب انهيار تقديرهم النهائى.
" همس = إنتحار "
وهكذا يمكنك أن تتخيل مدى التأثير الرهيب لأحداث صغيرة جدا والتى من شأنها تغيير مجرى حياتك, ويمكنك أن تتخيل كيف أن الصدامات التى تتعرض لها فى حياتك اليومية والتى لا تدرك قوانينها, ما هى إلا جزء لا يتجزأ من كيانك وهويتك فى المجتمع الذى تعيش فيه.
وتلك الصدامات التى ترى تأثيرها فقط ولا ترى المؤثر, ما هى إلا مزيج عجيب من قوانين غاية فى الدقة والصرامة تحكم كل ما يتحرك حولك, ومن يدرى ربما قرائتك لهذه الكلمات هى صدام لحدث كبير قد يحدث لك مستقبلا...حدث أكبر مما تتصور.

0 التعليقات: